الشعب والحكومة.. تقريباً يشبهان أفلام (توم وجيري) فالشعب يموت رعباً من الحكومة والحكومة تزيد من حقول التجارب على الشعب، حتى يتعلم كيف يخاف.. ولكن السؤال هنا: لماذا تخاف شعوبنا العربية من السلطة التنفيذية عادة؟! وهل من المنطقي أن يخاف شخص دون أن يعرف ما سيحدث له أصلاً؟! وهل هي سياسة عامة تدعي سياسة الخوف أم أنها مجرد تجارب وثقافات شخصية تحولت إلى ما يشبه السياسة العامة؟!
الموضوع باختصار أننا كشعوب عربية نشبه إلى حد كبير "تجربة القرود" وهذه التجربة باختصار عبارة عن قفص وضع فيه ثلاثة قرود وفي أعلى القفص وضع موزة مدلاة وفرع شجرة صغير، بحيث يمكن للقرد أن يتوصل للموزة من خلال الشجرة، ولكن قبل أن يتوصل لها يفاجأ بمياه ساخنة تلقى عليه.. وفي كل مرة يصعد كل قرد من الثلاثة يفاجأ بهذه المياة الساخنة قبل أن يصل للموز.. فظلت القرود تكرر نفس الفعل الذي يبوء في كل مرة بالفشل إلى أن فقدوا الأمل تماماً واستكانوا داخل القفص، وبعد ذلك تم إبدال قرد من الثلاثة داخل القفص بقرد آخر جديد لم يشهد المياه التي تلقى من أعلى، وكان من الطبيعي أن يحاول القرد الجديد الصعود ولكن ما حدث أن القردين القديمين حاولا منعه من ذلك وفي كل مرة يحاول فيها الصعود للموزة مرة أخرى يمنعه القردان الآخران إلى أن فقد الأمل هو الآخر.. إلى أن تم استبدال قرد آخر من الذين شهدوا تجربة المياه بقرد جديد، فأصبح في القفص قرد واحد فقط وهو الذي شهد التجربة، ولكن الأمر الغريب أن القرد الجديد تم منعه من خلال القردين علماً بأنه بينهما قرد لم يشهد التجربة أصلاً، وفي المرحلة الأخيرة من التجربة تم استبدال القرد الوحيد الذي شهد التجربة بآخر جديد.. والنتيجة أنه كلما يحاول القرد في الصعود يمنعه الإثنان اللذان لم يشهدا التجربة أصلاً، والسبب في ذلك أن القردة كانت مقتنعة تماماً أن هناك خطراً ما سيحدث ولكنهم لا يعلمون شيئاً عن كنه هذا الخطر.
إننا كشعوب عربية نشبه القرود في تلك التجربة إلى حد كبير، فمعظمنا تربى على سياسة الخوف بدون أن نكتشف الخطر بأنفسنا ولكننا تلقيناه سماعياً فقط.. فترسب هذا الشعور بالخطر تجاه السلطة التنفيذية تحديداً، وربما يكون قد نشأ هذا الشعور من حوادث الاعتقالات ومن مناظر قوات الأمن المركزي المنتشرة في كل مظاهرة أو إضراب، وغيرها من هذه العوامل التي تكاتفت جميعها لتتسبب في شعب أصبح يشعر بالخوف قبل حتى أن يرى العصا، فهو مستعد نفسياً لتقبل هذا.
مهلاً.. لا تتسرع في الحكم على هذه الكلمات التي ربما قد تبدو خرقاء، ولكن فقط اسأل نفسك هذه الأسئلة.. ألسنا جميعاً نربي أبناءنا على سياسة الخوف؟! ألسنا جميعاً قد حُشينا بالقمع دون أن ندري السبب ولكننا فقط هكذا وجدنا آباءنا وأجدادنا؟! ألا تشعر ولو برعشة خفيفة تحتل بدنك كله كلما وقفت في كمين أو كلما دخلت قسم شرطة أو حتى إذا سألك أحد الضباط عن بطاقتك وأنت تعود من مقر عملك؟!
إننا قد تم حشونا بثقافة الخوف من كل شيء، وربما نبع هذا الشعور من مناحي عدة وتحديداً أفلام السينما منذ النصف الثاني من القرن الماضي.. تتأكد من ذلك وأنت تشاهد سلسلة أفلام "إسماعيل ياسين الخاصة بالحربية والبحرية والطيران.. إلخ، والعديد من الأفلام السينمائية التي تزرع فينا –عن دون قصد– ثقافة الخوف هذه.
ولكن هناك سؤال يطرح نفسه بشدة.. لماذا نحن هكذا إلى الآن، ألم يحكم بالسجن ثلاث سنوات على "إسلام نبيه" والعديد من الضباط الذين أساءوا استخدام سلطتهم من خلال تعذيب الآخرين؟! وليست هذه حالات فردية.. ولكنهم أشخاص أدركوا أن هناك قانوناً وأنهم يمكنهم أخذ حقوقهم واستطاعوا بالفعل تحقيق ذلك، ألم تستطع الصحافة في الأشهر الماضية أن تحقق العديد من المطالب الشعبية من خلال الحملات الصحافية التي تمت في العديد من المناحي؟! ربما لم تحل أزمة رغيف الخبز إلى الآن ولكن هل يستطيع أحد أن ينكر أن الحكومة بدأت بالفعل في الفترة الأخيرة تشعر بالتحرج الشديد من جراء الحملات الصحافية التي شنتها العديد من الصحف في هذا الموضوع؟! لا أريد أن أبدو متفائلاً أكثر من اللازم ولكن كل ما أريد قوله هو لماذا تخاف شعوبنا من السلطة؟!