و إن كان على الكمال.. كمال الأخلاق.. فالنبي صنعته هي الأخلاق.. قال :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"..
هو من أدبه الله و علمه.. هو القمة في كرم الخلق.. و هو أكمل خلق الله..
و إن كان على النوال.. و هو العطاء.. و النبي يقول "جبلت القلوب على حب من أحسن اليها"..
النبي ادانا ايه؟.. ايه عطاؤه لينا؟..
ألا يكفيه انه دلنا على طريق الله سبحانه و تعالى في الدنيا.. و انه يشفع لنا في الآخرة؟..
ألا يكفيه انه أحيا أمة من العدم..
عشان تعرف قيمة منهج النبي ..
هل تعرف في التاريخ في أي أمة و في أي ديانة .. سماوية كانت أو وثنية.. هل ذكر التاريخ أن شخصا دخل الى المكان الذي يقوم فيه بشعائر عبادته.. و تبول فيه؟
لا والله لم نسمع أبدا.. إلا في العرب .. و عارفين قصة الأعرابي اللي تبول في المسجد و كيف تعامل معاه النبي بأسلوب قمة في الأخلاق و التربية..
موقف زي ده.. يبينلنا العرب دول كانوا ايه قبل الإسلام.. مافيش حد في التاريخ عمل حاجة زي كده أبدا.. مافيش حد وصل للمستوى ده من الجهالة..
تخيل ان منهج النبي يحول أناس بالشكل ده إلى منارات تشع بالعلم في العالم كله..
الناس مبهورين بالغرب دلوقت.. لأن التاريخ بيتم تشويهه و فضل الإسلام و المسلمين على العالم بيتم إخفاؤه عمدا..
المسلمون هم أول من أنشأ الجامعات.. و المستشفيات.. لم يعرفها الغرب و لم تعرفها أوروبا..
و المسلمون هم أول من انشأ نظام صرف صحي في المدن و دورات مياه في البيوت.. لحاجتهم لأن يكونوا دائما على طهارة لأداء الصلاة..
و المسلمون هم أول من زرع الحدائق في البيوت... الحدائق اللي بتشوفوها قدام البيوت في الغرب دلوقت دي اختراع اسلامي.. ماعرفهوش الغرب إلا لما سقطت الأندلس و دخلوها و شافوا المسلمين كانوا عاملين ايه فيها.. كانوا بيزرعوا الحدائق لتذكرهم بالجنة في الآخرة..
و المسلمون هم من قدم الى الغرب "القهوة".. أحد العناصر اللي قامت عليها الحضارة الغربية.. لأن الأوروبيين كانوا بيشربوا الخمر عشان تدفيهم لأن درجة الحرارة منخفضة جدا.. و لكن في مقابل الدفء ده.. بتذهب العقول.. فأخذوا من المسلمين القهوة.. اللي بتؤدي نفس مفعول الخمر في تدفئة الجسم بزيادة معدل حرق الطاقة فيه.. و لكن دون أن تذهب العقل.. عشان كده سموها "خمر المؤمنين"..
حتى الكوكا.. المادة اللي بيصنعوا منها الكولا.. المسلمين الأفارقة المستعبدين في أمريكا هما اللي عرفوها للأمريكان لأنها كانت مشروب تقليدي عندهم.. زي الشاي عندنا..
و المسلمين هم اللي اخترعوا علم جديد .. الجبر.. اخترعوه لحساب الزكاة و المواريث بمنتهى الدقة .. فـ "س" و "ص" لم تكن إلا رموز لمعرفة نصيب كل فرد من الزكاة أو من الميراث.. و لولا الجبر.. لكان فيه في زمانا ده لا كمبيوتر.. ولا طاقة نووية.. ولا أي شئ معتمد اعتماد أساسي على الرياضيات ..
ده غيض من فيض..
هذا عطاء النبي ..
يعني النبي جمال.. على كمال.. على نوال..
الا يحب؟..
لا تملك إلا أن تحبه.. بل تعشقه.. و لكن كيف تحبه و انت لا تعرفه؟..
و هنا نرجع للنقطة اللي بدأنا بيها.. الحب شئ إرادي والا لاإرادي..
هنا بقى تيجي النقطة اللي نملك فيها الاختيار.. قد لانملك أن نجبر قلوبنا على حب شخص.. و لكننا نملك أن نعرض سيرة هذا الشخص على قلوبنا .. فنعرفه.. فإن كان أهلا للحب.. أحببناه..
و إن لم يكن النبي أهلا للحب.. فمن أهله؟..
عشان كده بندرس السيرة.. عشان نعرفه.. و لما نعرفه حق المعرفة.. تملك حبه شغاف القلوب.. و الصحابة يقولون عن النبي : «من خالطه معرفةً أحبه.»
و لما نحبه.. نتمنى نكون زيه..
لأن في حياة كل واحد منا 3 شخصيات ..
شخصية نتمنى أن نكونها..
و شخصية نكره أن نكونها..
وشخصية هي حقيقتنا التي تعبر عنا في هذه اللحظة..
الشخصية اللي بتتمنى انك تكون زيها.. بتعبر عن اتجاهك..
اللي بيحب الدنيا.. بيحب أهل الدنيا..
و اللي بيحب المال.. يحب الأغنياء جدا..
و اللي من أهل المتع اللحظية.. يحب أهل المتع الرخيصة..
أما أهل الإيمان.. فيحبون رسول الله و يتنمون أن يكونوا على أثره.. مقتدين بهديه و أخلاقه..
عشان كده لا نستغرب أبدا حب أصحاب النبي له..
حب بدأ و لم ينتهي.. بل عاش في قلوبهم حتى بعد وفاة النبي ..
بلال رضي الله عنه.. لم يطق البقاء بالمدينة بعد وفاة النبي .. لذا سافر الى الشام و بقي فيها فترة..
و في يوم.. اشتد بيه الحنين.. فركب راحلته و قصد المدينة.. و أتى قبر النبي ..
و جعل يبكي و يبكي.. يتذكر أيام النبي ..
فأقبل عليه الحسن و الحسين.. طفلان صغيران.. فجعل يضمهما و يقبلهما ..
فقالا له.. يا عمنا.. نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله ..
و أصرا عليه..
فصعد بلال على سطح المسجد.. ووقف موقفه الذي كان يقفه..
و تعالى صوته بالأذان..
و سمعه أهل المدينة.. فتذكروا أيام رسول الله .. فارتجت المدينة بالبكاء.. و خرج المسلمون من بيوتهم..
فما رؤي يوم أكثر المؤمنون فيه البكاء في المدينة بعد وفاة النبي من هذا اليوم..
صدق أبو سفيان والله..
حين قال: "ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً"
فهل أحببناه حقا؟..
طب ايه الدليل؟؟
الله سبحانه و تعالى لايقبل دعوى المحبة إلا بدليل.. لأن أعمال القلوب لو قبلت بدون دليل لادعى كل الناس محبة النبي ..
كل يدعي وصلاً بليلى * وليلى لا تقر لهم بذاكَا
قال : (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) .
لو سألنا الأمة كلها.. حوالي مليار و ثلاثمائة مسلم النهاردة.. و قلنا لكل واحد فيهم : أتحب رسول الله؟..
الكل طبعا هايقول : "نعم".. مادام ماحدش طلب منه دليل.. و مادام الكلام ببلاش..
النبي يقول
( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ )) .
ماعادش فاضل كتير على عيد الأضحى..
اليوم اللي بنتذكر فيه سيدنا ابراهيم عليه السلام.. لما اتحط في الامتحان الصعب..
يا ابراهيم.. ماذا تختار؟.. ابنك؟.. أم الله سبحانه و تعالى..
سيدنا ابراهيم اختار.. ولم يتردد.. اختار الله.. فجعل الله له مخرجا..
و احنا بنتحط في اختيار زي ده كل لحظة في عمرنا..
تختار ايه؟..
الله؟.. والا شهوة نقد الآخرين و الخوض في سيرتهم بالحق أو الباطل؟
الله؟.. والا مال حرام؟
الله؟.. والا صحبة سيئة تصدك عن طريقه؟
الله؟.. والا سيجارة؟..
الله؟.. والا دفء الفراش ساعة صلاة الفجر؟
امتحانات لا عد لها ولا حصر..
امتحانات لاتقارن بامتحان الله لسيدنا ابراهيم عليه السلام.. ما اظنش حد فينا اتحط في موقف يختار فيه بين مرضاة الله.. و ابنه..
لنا اخوة و أخوات في فلسطين عاشوا هذا الامتحان و صدقوا مع الله.. و شفناهم امهات و آباء يودعون أبنائهم و بناتهم في طريقهم الى الشهادة..
و احنا؟..
تخيل لما واحد يبقى مخير مابين طاعة الله... و بين سيجارة.. و يختار السيجارة.. يفضل حفنة تبغ ملفوفين في ورقة.. على رضا الله سبحانه و تعالى..
و بعد كده.. نسأله.. أتحب الله و رسوله؟.. فيقول "نعم"..
و فرق شاسع .. بين اني أحب الله و رسوله.. و بين اني أريد أن أحب الله و رسوله.. و بين اني أعرف اني المفروض اني أريد أن احب الله و رسوله
كتير من اللي بيدخنوا مثلا.. عارف انه "المفروض انه يريد أن يترك التدخين".. لكن هو لسة ماوصلش للمرحلة دي.. مرحلة انه "يريد". هو لسة في مرحلة انه عارف انه المفروض يكون عنده الإرادة دي..
عشان كده الناس اللي في المرحلة دي.. مابيسعوش لبذل الأسباب لترك التدخين.. ولو حتى بالدعاء..
انا شفت ناس في الحج.. بلبس الإحرام.. و ماسك السيجارة في ايده..
جايز افتكر ان عشان السيجارة لونها ابيض زي الإحرام يبقى بقت جزء منه
الشاهد انه في الحج.. محرم.. تعبان.. متبهدل.. بذل الأموال و الجهد.. و بذل من وقته و صحته و نومه.. و مافكرش لحظة طول ماهو في الحج.. انه يدعو الله انه يتوب عليه من التدخين!
لأن اللي يدعو الله.. هو شخص استفرغ الأسباب.. يعني توفرت عنده الإرادة.. و حاول بس ماقدرش.. فلجأ الى الله سبحانه و تعالى..
انما هو ماخطرش في باله حتى انه يلجأ الى الله .. لأن الإرادة ماتوفرتش عنده اصلا.. لسة ماوصلش للمستوى ده من التفكير..
مستوى أن يريد الشئ فعلا..
و مستوى أن يستفرغ الجهد..
و مستوى ان يتجرد من الحول و القوة فيلجأ الى الله..
مستويات عميقة جدا.. يحسها كل من رمى الجمرات في الحج.. و تأمل و خشع و استشعر انه في عبادة..
في رمي الجمرات بنعمل ايه؟..
بترمي الحصاة بعزم و قوة.. عشان تتأكد انك أصبت الشاهد اللي بترمي عليه.. و مع كل رمية.. بتقول "باسم الله والله أكبر"..
مرات و مرات عديدة..
و كأن ربنا بيعلمنا.. لو انت مبتلى بمعصية.. و عاوز ربنا يتوب عليك منها.. طريقها ببساطة انك تتركها بعزم و قوة.. زي مارميت الحصاة بعزم و قوة.. و أن تستعين بالله و تتبرأ من الحول و القوة.. تتركها و انت بتقول لها باسم الله.. يعني انا مستعين بالله.. والله أكبر.. يعني الله سبحانه و تعالى أكبر من هذه المعصية اللي انا مبتلى بيها.. لذا فهو قادر على تخليصي منها..
نرجع لموضوعنا..
امتى اقدر اقول اني فعلا باحب؟.. ايه الدليل؟..
لما اتحط في موقف اختيار
والاقي ان الله سبحانه و تعالى..
متمثلا في شرعه و أوامره و نواهيه..
والاقي النبي متمثلا في منهجه و سنته في كفة..
و حاجة ثانية مثل مصلحتي الشخصية أو هوى نفسي أو أي شئ من الدنيا.. في الكفة الثانية..
لما الاقي قلبي يختار الكفة اللي فيها كتاب الله و سنة رسوله..
وقتها اقدر اكون متأكد من حبي لله و رسوله..
انما طول ما أنا ما حطيتش نفسي في موقف الاختبار ده ..
فبيبقى كلامي.. مافيش عليه دليل..
قد يكون هناك عاطفة..
و لكنها قد لا تتعدى الإعجاب بشئ بتتفرج عليه من بعيد..
لكن ماوصلش الحب في قلبك للدرجة اللي تخليك تقرب منه..
و تجربه بنفسك..
وقتها تذوق حلاوة الإيمان..
و حلاوة الإيمان شئ مايعرفهوش الا اللي ذاقه..
لو قرأت مجلدات كتبت في طعم العسل..
و انا عمري في حياتي ما ذقته..
هل هذا يعني اني أعرف طعمه؟..
شباب كتير هوايتهم يتابع موديلات السيارات الحديثة ..
و يجيب المجلات و الكتالوجات المتخصصة في السيارات..
هو حياته مقضيها فرجة على السيارات و أحدث موديلاتها..
وهو مايقدرش يشتريها ..
ده لو فضل طول عمره يجمع صور السيارات من المجلات..
معناه انه امتلك السيارات دي؟
هذا هو الفرق...
الإيمان كمعلومات عامة رسخت في العقل..
مجرد صور..
أما يوم مايرسخ هذا الإيمان في القلب..
وتذوق حلاوته.. فهذا شئ ثاني..
كأنك بالفعل اشتريت كل السيارات اللي عندك صورها و ركبتها
لذا يقول تعالى :
(( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ ))( سورة آل عمران الآية : 31 )